فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ}.
واعلم أنه قدم المنافقين على المشركين في الذكر في كثير من المواضع لأمور أحدها: أنهم كانوا أشد على المؤمنين من الكافر المجاهر لأن المؤمن كان يتوقى المشرك المجاهر وكان يخالط المنافق لظنه بإيمانه، وهو كان يفشي أسراره، وإلى هذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك» والمنافق على صورة الشيطان فإنه لا يأتي الإنسان على أني عدوك، وإنما يأتيه على أني صديقك، والمجاهر على خلاف الشيطان من وجه، ولأن المنافق كان يظن أن يتخلص للمخادعة، والكافر لا يقطع بأن المؤمن إن غلب يفديه، فأول ما أخبر الله أخبر عن المنافق وقول {الظانين بالله ظَنَّ السوء} هذا الظن يحتمل وجوهًا أحدها: هو الظن الذي ذكره الله في هذه السورة بقوله: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرسول} [الفتح: 12] ثانيها: ظن المشركين بالله في الإشراك كما قال تعالى: {إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ} إلى أن قال: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن وَإِنَّ الظن لاَ يُغْنِي مِنَ الحق شَيْئًا} [النجم: 23 28] ثالثها: ظنهم أن الله لا يرى ولا يعلم كما قال: {ولكن ظَنَنتُمْ أَنَّ الله لاَ يَعْلَمُ كَثِيرًا مّمَّا تَعْمَلُونَ} [فصلت: 22] والأول أصح أو نقول المراد جميع ظنونهم حتى يدخل فيه ظنهم الذي ظنوا أن الله لا يحيي الموتى، وأن العالم خلقه باطل، كما قال تعالى: {ذلك ظَنُّ الذين كَفَرُواْ} [ص: 27] ويؤيد هذا الوجه الألف واللام الذي في السوء وسنذكره في قوله: {ظَنَّ السوء} وفيه وجوه أحدها: ما اختاره المحققون من الأدباء، وهو أن السوء صار عبارة عن الفساد، والصدق عبارة عن الصلاح يقال مررت برجل سوء أي فاسد، وسئلت عن رجل صدق أي صالح، فإذا كان مجموع قولنا رجل سوء يؤدي معنى قولنا فاسد، فالسوء وحده يكون بمعنى الفساد، وهذا ما اتفق عليه الخليل والزجاج واختاره الزمخشري، وتحقيق هذا أن السوء في المعاني كالفساد في الأجساد، يقال ساء مزاجه، وساء خلقه، وساء ظنه، كما يقال فسد اللحم وفسد الهواء، بل كان ما ساء فقد فسد وكل ما فسد فقد ساء غير أن أحدهما كثير الاستعمال في المعاني والآخر في الأجرام قال الله تعالى: {ظَهَرَ الفساد فِي البر والبحر} [الروم: 41] وقال: {سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [التوبة: 9] هذا ما يظهر لي من تحقيق كلامهم.
ثم قال تعالى: {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السوء} أي دائرة الفساد وحاق بهم الفساد بحيث لا خروج لهم منه.
ثم قال تعالى: {وَغَضِبَ الله عَلَيْهِمْ} زيادة في الإفادة لأن من كان به بلاء فقد يكون مبتلى به على وجه الامتحان فيكون مصابًا لكي يصير مثابًا، وقد يكون مصابًا على وجه التعذيب فقوله: {وَغَضِبَ الله عَلَيْهِمْ} إشارة إلى أن الذي حاق بهم على وجه التعذيب وقوله: {وَلَعَنَهُمُ} زيادة إفادة لأن المغضوب عليه قد يكون بحيث يقنع الغاضب بالعتب والشتم أو الضرب، ولا يفضي غضبه إلى إبعاد المغضوب عليه من جنابه وطرده من بابه، وقد يكون بحيث يفضي إلى الطرد والإبعاد، فقال: {وَلَعَنَهُمُ} لكون الغضب شديدًا، ثم لما بيّن حالهم في الدنيا بيّن مآلهم في العقبى قال: {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} وقوله: {سَاءتْ} إشارة لمكان التأنيث في جهنم يقال هذه الدار نعم المكان، وقوله تعالى: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السموات والأرض} [الفتح: 4] قد تقدم تفسيره، وبقي فيه مسائل:
المسألة الأولى:
ما الفائدة في الإعادة؟ نقول لله جنود الرحمة وجنود العذاب أو جنود الله إنزالهم قد يكون للرحمة، وقد يكون للعذاب فذكرهم أولى لبيان الرحمة بالمؤمنين قال تعالى: {وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيمًا} [الأحزاب: 43] وثانيًا لبيان إنزال العذاب على الكافرين.
المسألة الثانية:
قال هناك {وَكَانَ الله عَلِيمًا حَكِيمًا} [الفتح: 4] وهنا {وَكَانَ الله عَزِيزًا حَكِيمًا} لأن قوله: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السموات والأرض} [الفتح: 4] قد بينا أن المقصود من ذكرهم الإشارة إلى شدة العذاب فذكر العزة كما قال تعالى: {أَلَيْسَ الله بِعَزِيزٍ ذِي انتقام} [الزمر: 37] وقال تعالى: {فأخذناهم أَخْذَ عِزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ} [القمر: 42] وقال تعالى: {العزيز الجبار} [الحشر: 23].
المسألة الثالثة:
ذكر جنود السموات والأرض قبل إدخال المؤمنين الجنة، وذكرهم هاهنا بعد ذكر تعذيب الكفار وإعداد جنهم، نقول فيه ترتيب حسن لأن الله تعالى ينزل جنود الرحمة فيدخل المؤمنين مكرمين معظمين الجنة ثم يلبسهم خلع الكرامة بقوله: {وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سيئاتهم} [الفتح: 5] كما بينا ثم تكون لهم القربى والزلفى بقوله: {وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ الله فَوْزًا عَظِيمًا} وبعد حصول القرب والعندية لا تبقى واسطة الجنود فالجنود في الرحمة أولًا ينزلون ويقربون آخرًا وأما في الكافر فيغضب عليه أولًا فيبعد ويطرد إلى البلاد النائية عن ناحية الرحمة وهي جهنم ويسلط عليهم ملائكة العذاب وهم جنود الله كما قال تعالى: {عَلَيْهَا مَلَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ} [التحريم: 6] ولذلك ذكر جنود الرحمة أولًا والقربة بقوله عند الله آخرًا، وقال هاهنا {غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمُ} وهو الإبعاد أولًا وجنود السموات والأرض آخرًا. اهـ.

.قال القرطبي:

{لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}.
أي أنزل السكينة ليزدادوا إيمانًا.
ثم تلك الزيادة بسبب إدخالهم الجنة.
وقيل: اللام في {لِيُدْخِلَ} يتعلق بما يتعلق به اللام في قوله: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ} {وَكَانَ ذَلِكَ} أي ذلك الوعد من دخول مكة وغفران الذنوب.
{عِندَ الله فَوْزًا عَظِيمًا} أي نجاة من كل غم، وظفرًا بكل مطلوب. اهـ.
وقيل: لما قرأ النبيّ صلى الله عليه وسلم على أصحابه {لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} قالوا: هنيئًا لك يا رسول الله، فماذا لنا؟ فنزل: {لِّيُدْخِلَ المؤمنين والمؤمنات جَنَّاتٍ} ولما قرأ {وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} قالوا: هنيئًا لك؛ فنزلت: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3] فلما قرأ {وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا} نزل في حق الأمة: {وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا}.
ولما قال: {وَيَنصُرَكَ الله نَصْرًا عَزِيزًا} نزل: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المؤمنين} [الروم: 7 4].
وهو كقوله تعالى: {إِنَّ الله وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبي يا أيها الذين آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
ثم قال: {هُوَ الذي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} [الأحزاب: 3 4] ذكره القشيريّ.
قوله تعالى: {وَيُعَذِّبَ المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات}.
أي بإيصال الهموم إليهم بسبب عُلُوّ كلمة المسلمين، وبأن يسلط النبيّ عليه السلام قَتْلًا وَأَسْرًا واسترقاقًا.
{الظآنين بالله ظَنَّ السوء} يعني ظنّهم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يرجع إلى المدينة، ولا أحد من أصحابه حين خرج إلى الحديبية، وأن المشركين يستأصلونهم.
كما قال: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُوْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا}.
وقال الخليل وسِيبويه: {السّوء} هنا الفساد.
{عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السوء} في الدنيا بالقتل والسَّبْي والأسر، وفي الآخرة بجهنم.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {دائرة السوء} بالضم وفتح الباقون.
قال الجوهري: ساءه يسوءه سَوءًا (بالفتح) ومَسَاءة ومَساية؛ نقيض سرّه، والاسم السُّوء (بالضم).
وقرئ {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السُّوءِ} يعني الهزيمة والشر.
ومن فتح فهو من المساءة.
{وَغَضِبَ الله عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًاوَلِلَّهِ جُنُودُ السماوات والأرض وَكَانَ الله عَزِيزًا حَكِيمًا}.
تقدّم في غير موضع جميعه، والحمد لله.
وقيل: لما جرى صلح الحديبية قال ابن أُبَيّ: أيظن محمد أنه إذا صالح أهل مكة أو فتحها لا يبقى له عدوّ، فأين فارس والروم! فبين الله عز وجل أن جنود السموات والأرضِ أكثر من فارس والروم.
وقيل: يدخل فيه جميع المخلوقات.
وقال ابن عباس: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ} الملائكة.
وجنود الأرض المؤمنون.
وأعاد لأن الذي سبق عقيب ذكر المشركين من قريش، وهذا عقيب ذكر المنافقين وسائر المشركين.
والمراد في الموضعين التخويف والتهديد.
فلو أراد إهلاك المنافقين والمشركين لم يعجزه ذلك، ولكن يؤخرهم إلى أجل مُسَمًّى. اهـ.

.قال الألوسي:

{ليُدْخلَ الْمُؤْمنين وَالمُؤْمنَت جَنَّات تَجْري منْ تَحْتهَا الأنْهَارُ خَالدينَ فيهَا}.
متعلق بما يدل عليه ما ذكر من كون جنود السموات والأرض له جل شأنه من معنى التصرف والتدبير، وقد صرح بعض الأفاضل بانه كناية عنه أي دبر سبحانه ما دبر من تسليط المؤمنين ليعرفوا نعمة الله تعالى في ذلك ويشكروها فيدخلهم الجنة فالعلة في الحقيقة معرفة النعمة وشكرها لكنها لما كانت سببًا لدخول الجنة أقيم المسبب مقام السبب.
وقيل: متعلق بفتحنا، وقيل: بانزل، وتعلقه بذلك مع تعلق اللام الأخرى به مبني على تعلق الأول به مطلقًا والثاني مقيدًا وتنزيل تغاير الوصفين منزلة تغاير الذاتين وإلا فلا يتعلق بعامل واحد حرفًا جر بمعنى واحد من غير اتباع، وقيل: متعلق بينصرك، وقيل: بيزداد، وقيل: بجميع ما ذكر إما على التنازع والتقدير أو بتقدير ما يشمل ذلك كفعل سبحانه ما ذكر ليدخل الخ، وقيل: هو بدل من ليزداد بدل اشتمال فإن ادخال المؤمنين والمؤمنات الجنة وكذا ما عطف عليه مستلزم لزيادة الإيمان وبدل الاشتمال يعتمد على ملابسة ما بين المبدل والمبدل منه بحيث يشعر أحدهما بالآخر غير الكلية والبعضية، ولعل الأظهر الوجه الأول، وضم المؤمنات هاهنا إلى المؤمنين دفعا لتوهم اختصاص الحكم بالذكور لأجل الجهاد والفتح على أيديهم، وكذا في كل موضع يوهم الاختصاص يصرح بذكر النساء، ويقال نحو ذلك فيما بعد كذا قيل: وأخرج ابن جرير وجماعة عن أنس قال: أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} [الفتح: 2] في مرجعه من الحديبية فقال: لقد أنزلت على آية هي أحب إلى مما على الأرض ثم قرأها عليهم فقالوا: هنيئًا مريئًا يا رسول الله قد بين الله تعالى لك ماذا يفعل بك فماذا يفعل بنا فنزلت {ليدخل المؤمنين والمؤمنات} حتى بلغ {فوزًا عظيمًا}.
{وَيُكَفّرَ عَنْهُمْ سيئاتهم} أي يغطيها ولا يظهرها، والمراد يمحوها سبحانه ولا يؤاخذهم بها، وتقديم الادخال في الذكر على التكفير مع أن الترتيب في الوجود على العكس للمسارعة إلى بيان ما هو المطلوب إلا على كذا قال غير واحد، ويجوز عندي أن يكون التكفير في الجنة على أن المعنى يدخلهم الجنة ويغطي سيئاتهم ويسترها عنهم فلا تمر لهم ببال ولا يذكرونها أصلًا لئلا يخجلوا فيتكدر صفو عيشهم، وقد مر مثل ذلك.
{وَكَانَ ذلك} أي ما ذكر من الادخال والتكفير {عِندَ فَوْزًا عَظِيمًا} لا يقادر قدره لأنه منتهى ما تمتد إليه أعناق الهمم من جلب نفع ودفع ضر، و{عَندَ الله} حال من {فَوْزًا} لأن صفة النكرة إذا قدمت عليها أعربت حالًا، وكونه يجوز فيه الحالية إذا تأخر عن {عَظِيمًا} لاضير فيه كما توهم أي كائنًا عند الله تعالى أي في علمه سبحانه وقضائه جل شأنه، والجملة اعتراض مقرر لما قبله.
وقوله تعالى: {وَيُعَذّبَ المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات} عطف على {يدخل} [الفتح: 5] أي وليعذب المنافقين الخ لغيظهم من ذلك، وهو ظاهر على جميع الأوجه السابقة في {لّيُدْخِلَ} حتى وجه البدلية فإن بدل الاشتمال تصححه اللابسة كما مر، وازدياد الإيمان على ما ذكرنا في تفسيره مما يغيظهم بلا ريب، وقيل: إنه على هذا الوجه يكون عطفًا على المبدل منه، وتقديم المنافقين على المشركين لأنهم أكثر ضررًا على المسلمين فكان في تقديم تعذيبهم تعجيل المسرة.
{الظانين بالله ظَنَّ السوء} أي ظن الأمر الفاسد المذموم وهو أنه عز وجل لا ينصر رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وقيل: المراد به ما يعم ذلك وسائر ظنونهم الفاسدة من الشرك أو غيره {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السوء} أي ما يظنونه ويتربصونه بالمؤمنين فهو حائق بهم ودائر عليهم، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {دَائِرَةُ السوء} بالضم، والفرق بينه وبين {السوء} بالفتح على ما في الصحاح أن المفتوح مصدر والمضموم اسم مصدر بمعنى المساءة.
وقال غير واحد: هما لغتان بمعنى كالكره والكره عند الكسائي وكلاهما في الأصل مصدر غير أن المفتوح غلب في أن يضاف إليه ما يراد ذمه والمضموم جري مجري الشر، ولما كانت الدائرة هنا محمودة وأضيفت إلى المفتوح في قراءة الأكثر تعين على هذا أن يقال: إن ذاك على تأويل انها مذمومة بالنسبة إلى من دارت عليه من المنافقين والمشركين واستعمالها في المكروه أكثر وهي مصدر بزنة اسم الفاعل أو اسم فاعل، وإضافتها على ما قال الطيبي من إضافة الموصوف إلى الصفة للبيان على المبالغة، وفي الكشف الإضافة بمعنى من على نحو دائرة ذهب فتدبر.
والكلام إما اخبار عن وقوع السوء بهم أو دعاء عليهم، وقوله تعالى: {وَغَضِبَ الله عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ} عطف على ذلك، وكان الظاهر فلعنهم فأعد بالفاء في الموضعين لكنه عدل عنه للإشارة إلى أن كلا من الأمرين مستقل في الوعيد به من غير اعتبار للسببية فيه {وَسَاءتْ مَصِيرًا} جهنم.
{وَلِلَّهِ جُنُودُ السموات والأرض} ذكر سابقًا [الفتح: 4] على أن المراد أنه عز وجل المدبر لأمر المخلوقات بمقتضى حكمته فلذلك ذيل بقوله تعالى: {عَلِيمًا حَكِيمًا} وههنا أريد به التهديد بأنهم في قبضة قدرة المنتقم ولذا ذيل بقوله تعالى: {وَكَانَ الله عَزِيزًا حَكِيمًا} فلا تكرار كما قال الشهاب، وقيل: إن الجنود جنود رحمة وجنود عذاب، والمراد به هنا الثاني كام ينبىء عنه التعرض لوصف العزة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}.
اللام للتعليل متعلقة بفعل {ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهم} [الفتح: 4] فما بعد اللام علة لعلة إنزال السكينة فتكون علة لإنزال السكينة أيضًا بواسطة أنه علة العلة.
وذكر المؤمنات مع المؤمنين هنا لدفع توهم أن يكون الوعد بهذا الإدخال مختصًا بالرجال.
وإذ كانت صيغة الجمع صيغة المذكر مع ما قد يؤكد هذا التوهم من وقوعه علة أو علةَ علةٍ للفتح وللنصر وللجنود وكلها من ملابسات الذكور، وإنما كان للمؤمنات حظ في ذلك لأنهن لا يخلون من مشاركة في تلك الشدَائد ممن يقمن منهن على المرضى والجرحى وسقي الجيش وقت القتال ومن صبر بعضهنّ على الثُّكل أو التأيّم، ومن صبرهن على غيبة الأزواج والأبناء وذوي القرابة.
والإشارة في قوله: {وكان ذلك} إلى المذكور من إدخال الله إياهم الجنة.
والمراد بإدخالهم الجنة إدخال خاص وهو إدخالهم منازل المجاهدين وليس هو الإدخال الذي استحقوه بالإيمان وصالح الأعمال الأخرى.